4 دروس تعلمتها خلال عام من إدارة منتج رقمي
في يوليو ٢٠١٩ بدأت بالعمل على منتج جاهز من حيث الجانب التقني ولكنه يعاني من ناحية النمو والتوسع. وبعد مرور عام، أحاول هنا أن أسرد بعض النقاط التي تعلمتها عن قصد ومن دونه حول إدارة المنتجات.


يوليو ٢٠٢٠
في يوليو ٢٠١٩ بدأت بالعمل على منتج جاهز من حيث الجانب التقني ولكنه يعاني من ناحية النمو والتوسع. جدير بالذكر أنه ليس لدي أي خلفية تقنية تُذكر، لكن لدي خبرة في إدارة المشاريع. وبعد مرور عام، أحاول هنا أن أسرد ٤ نقاط تعلمتها عن قصد ومن دونه حول إدارة المنتجات:
١. إدارة المنتجات، وإدارة المشاريع:
دعوني أبدأ بالتعبير عن الشعور اللذيذ -الذي قد تحرمنا إياه إدارة المشاريع العابرة- في العمل على تفاصيل منتج بشكل مستمر، تعدّل هنا وتحسّن من هناك في جهد تراكمي دؤوب يسعى لأن يظهر للعملاء بمثالية رغم أنك الأدرى بعيوبه.
أكتب هذا وأنا أرى نسبة كبيرة من المتخرجين حديثًا يتطلعون للعمل على المشاريع والمبادرات ذات الطبيعة غير المستدامة -والمتفهم بطبيعة حال المرحلة الأولية في رؤية ٢٠٣٠- لكنهم يغفلون جوانب أخرى من إدارة المنتجات والخدمات.
من وجهتي نظري، فأنت لا تستطيع أن تكون مدير منتج متمكن دون أن تكون مدير مشروع جيد في المقام الأول، ويجب أن يكون منّا من يتخصصون في إدارة المشاريع باختلاف طبيعتها ومدتها ومخرجاتها. في المقابل، منطقتنا تفتقر لمنتجات مرنة وعملية تُبنى عليها هذه المشاريع وتُسهل تنفيذها. الأمر الذي يجعل من تخصص إدارة المنتجات أمرًا ذا أولوية تساوي أهمية إدارة المشاريع.
وهنا تدوينة مميزة من معن أشقر تتحدث أكثر عن كيف تؤثر عقلية المشاريع على نجاح المنتج.
٢. أهمية الإدارة بجانب الجزء التقني في المنتجات:
في بداية عملي، كنتُ أحسبُ أنّ بانتظاري دراسة عميقة للتقنية المستخدمة في منتجي حتى أكون قادرًا على إدارته. وهذا كان افتراضًا خاطئًا جدًا. في الحقيقة، هناك فقط ٥٪ من مديري المنتجات الرقمية يعرفون كيف يبرمجون! طبعًا إن كان هنالك مدير منتج مُلم بالجانب التقني لمنتجه فهذا بالتأكيد أفضل، لكنه ليس أولويةً في مهامه.
إن كنت تُدير تطبيقًا، أو ماكينة قهوة، أو منتج طعامٍ مُعلّب، فوظيفتك كمدير منتج هو أن تعلم بالضبط ماذا يقدم هذا المنتج لعملائك. والجواب على “كيف” قد يتولاه زميلك في الفريق، أو قسمٌ آخر في شركتك، أو متعهد متمكن (Outsourcing) قد تتعاقد معه.
فالإجابة لسؤال “ماذا” معقدة كثيرًا وتحتاج تفرغك لأنه يُبنى عليها استراتيجة المنتج، وميزته التنافسية، وفلسفة تسعيره ومن ثم يأتي بعد ذلك العمل على الوصول لعملائه المستهدفين.
ودعوني أدّعي أنّ الجانب التشغيلي هو الأهم! وليس الجانب التقني.
ففي التسعينات من القرن الماضي، وفي شركات مثل مايكروسوفت تكونت فجوة كبيرة نتيجة للتطور الكبير في الجانب التقني لمنتجاتهم دون وعي المبرمجين باحتياج العملاء ووضع السوق، ولم يكن هناك تواصل فعّال مع إدارات أخرى مثل التسويق والمبيعات لاختلاف التوجهات والأهداف. هذه الفجوة احتاجت فريقًا يكون هو الجسر الذي يضع احتياج العملاء في قلب عملية تطوير المنتجات، وهذا الجسر كان مدراء المنتجات.
والأمثلة المحلية في هذا السياق كثيرة، فالتقنية التي تتبناها رسال ليست بشيء جديد ولكنّ الحاجة المهمّشة التي تحاول تلبيتها رسال من خلال عرضها المختلف للسوق هي التي جعلتها قادرة على الوصول إلى قاعدة عملاء كبيرة من أفراد ومؤسسات. أيضًا مرسول كنموذج عمل يتوسط حالة العرض والطلب بُنيَ على تحول كبير في حاجات العملاء بالإضافة لعمل تسويقي مميز لترسيخ الانطباع المهم؛ “مرسول يوصل لك أي شيء”. وحين قررت أوبر الاستحواذ على كريم لم يكن هذا بسبب تفوق التطبيق تقنيًا، ولكن للتواصل مع العملاء (الطلب) والكباتن (العرض) وتقديم رسائل ذات محتوي محلي تجعلهم أقرب لعملائهم من أي منافس آخر.
لذلك ليس من المستغرب أنّ كثيرًا من هذه الشركات لا تملك أصلًا أقسامًا معنية بالتقنية، وإنما تتعاقد مع شركات تقنية متخصصة لتتكفل بالجانب التقني لمنتجاتها وتتفرغ هي للإدارة والتشغيل.
٣. قد تكون معرفتك العميقة بمنتجك امتيازًا، وفخًا في ذات الوقت:
في رحلة بناء المنتج وتطويره المستمر، فإننا عادة ما ننزع بفطرتنا إلى افتراض شيء ما حول حاجة العميل، ومن ثم نضع خطة لتلبية هذه الحاجة من خلال منتجنا دون أن نختبر هذا الافتراض في المقام الأول.
وهذا ربما هو أكثر شيء مُنهك في إدارة المنتجات.
ذلك لأن فلسفة “التجربة” تتطلب وقتًا وجهدًا وموارد كبيرة للتحقق من أي افتراض. والذي يزيد الأمر سوءًا هو وجوب تنفيذ هذه التجارب بشكل دوري ومستمر.
والسبب خلف حاجتنا لهذه السلسة المستمرة من التجارب هو التكلفة الكبيرة التي سنتحملها في حال قررنا عدم اختبار افتراضنا والمضي مباشرة إلى تطبيقها على المنتج، وكنّا مخطئين!
وبالرغم أنني قرأت كثيرًا عن هذا، فاعترف أنني وقعت في هذا الخطأ أكثر من مرة. فنحن حين نعمل على تلك التفاصيل الصغيرة في منتجاتنا، فإننا نرتبط بها ويصعب علينا التغيير والاختبار لإثبات العكس كل مرة. لاسيما إن كانت سببًا في نجاحات ماضية مؤقتة، في وقت كان فيه العملاء والسوق مختلفين.
٤. المبيعات، لا التسويق:
في ظل وجود قنوات محدودة للتسويق، تتزاحم الكثير من الشركات -بل والحكومات- للإعلان عن ما تقدمه من الخدمات والمنتجات. لذلك ترتفع تكاليف الدعاية وتصبح عملية التسويق مكلفة جدًا على شركة ناشئة تحاول الوصول بمنتجها لعملائها.
لكن هذا ليس سببًا كافيًا لعدم جعل التسويق أولوية بالنسبة لك كمدير منتج. فالسبب الأساسي هو محدودية وقتك وجهدك ومواردك، ولذلك يتوجب توجيهها لأولويات استراتيجية المنتج التي حددتها مسبقًا.
بمعنى آخر، ما الذي سينفع منتجك إن استثمرت مليون ريالٍ في إعلام الناس به وحين تم استخدامه وجدوه دون توقعاتهم؟
إذًا كيف تستطيع أن توجه الجهود نحو تطوير المنتج وتوثيق علاقتك بشركائك ومن ثم الوصول لعملائك؟
الجواب يكمن في تركيز كل ما تملك نحو المبيعات، نحو الوصول للعملاء وإبقائهم سعداء. أن تصل إلى مئة عميل/ مستخدم يعشقون منتجك خيرٌ لك من الوصول إلى ألف عميل/ مستخدم معجبون به فقط، ناهيك عن الوصول لمليون مستخدم يعرفونك لكن ليست لديهم رغبة في استخدام منتجك. وذلك لأنّ المئة عميل لن يرجعوا لك بشكل مستمر فقط، بل سيصبحوا سفراء لمنتجك وربما يُغنونك عن الإعلان والدعاية بشكل مبتذل. وهذا ما يسمى بـالتسويق الشفهي (Word of Mouth).
فالتسويق الشفهي هو التوصية التي تأتينا من شخص نعرفه ونثق برأيه نحو منتج أو خدمة. والدراسات تُخبر أنّ التسوق الشفهي فعّال بمقدار عشر مرات من أنواع التسويق الأخرى (الإعلان عبر المشاهير، الدعاية.. الخ) بالرغم أن هنالك فقط ٧٪ منه موجود على الانترنت، والمتبقي يأتينا عن طريق أفراد عائلتنا وأصدقائنا في تلك الأحاديث الجانبية. الطريقة التي نعتبرها أكثر موثوقية.
ما أريد قوله هنا أن التسويق يجب أن يكون لهدف المبيعات في المقام الأول وليس لمعرفة الناس بالمنتج فقط (Brand Awareness). ويمكن قياس فاعلية اختيارك لقنوات التسويق عن طريق تكلفة العميل الذي حصلت عليه (Customer Acquisition Cost) وهو مجموع ما تم صرفه على التسويق بالنسبة لعدد العملاء الذين قاموا فعلًا باستخدام منتجك. وتنخفض هذه التكلفة في حال قام العميل بالشراء منك أكثر من مرة.
في المقابل، لو تم ربط التسويق بالمبيعات فقط، فستظهر كإرتفاعات مؤقتة لا تستمر وعادة ما تتطلب دفعات أخرى لا تنتهي من الإعلان لتبقي منتجك حيًّا على استنزاف مواردك فقط في تسويق ليس له آثار مستدامة على مبيعات منتجك.
فالتعامل مع التسويق من مفهوم المبيعات يجعلك تفكر كثيرًا في استمرارية مبيعاتك ونموّها من ناحية استراتيجية وأبعد من مجرد الأسابيع القادمة. لذلك فإنّ الأهداف التي تضعها على فريق منتجك مختلفة تمامًا، مثل: عدد العملاء، مقدار استخدامهم لمنتجك، ومعامل تكرار هذا استخدام، خلفياتهم وسلوكياتهم في موقعك/ تطبيقك.. الخ وليس فقط حجم المبيعات وهامش الربح.
وفي هذا الصدد، يمكنكم الاستفادة من حديث حاتم الكاملي عن آلية التسويق التي يستخدمها على منتجه.

99٪ من الأطباء يقولون أن البرشومي مفيد للعقل والقلب. فلعل النشرة تفيدهما أيضًا.